أقيم اليوم مؤتمر صحفي للجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق بأحداث الساحل للإحاطة بمنهجية وآليات عمل اللجنة والنتائج والتوصيات التي خلصت إليها
وأعلن رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل القاضي جمعة العنزي بأن اللجنة انتهت من تقريرها في نهاية المهلة المحددة وتم تسليمه لرئيس الجمهورية والأحداث التي تشهدها المنطقة الجنوبية كانت سبباً في تأخير الإعلان عن تسليمه.
تفريغ لما جاء في المؤتمر الصحفي للجنة:
قال المتحدث باسم اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل المحامي ياسر الفرحان: بمبادرة من الحكومة السورية وإيماناً منها ومن اللجنة بتعزيز الحق في الحقيقة، ننشر مضمون التحقيقات والنتائج الرئيسية، ونوضح أن نص بيان مؤتمرنا الصحفي هذا، يشكل ملخصاً قابلاً للتداول ريثما تبت الرئاسة في كيفية التعامل مع باقي عناصر التقرير من النواحي الحقوقية والقضائية والأمنية والعسكرية والسياسية، وفقاً لما هو شائع في آليات وإجراءات التعاطي مع تقارير لجان التحقيق الوطنية والدولية.
وأضاف اعتمدت اللجنة في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها مكانيا في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانيا للنظر في أحداث مطلع آذار وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، والاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء، كما تواصلت اللجنة بشفافية مع السوريين والسوريات بشكل مباشر وعبر الإعلام، وعقدت اجتماعات متعددة ومفيدة مع مختلف أطراف المجتمع الأهلي والمدني وممثلي النقابات المهنية، ومعظم الشخصيات من النخب والأعيان والوجهاء.
كما زارت اللجنة 33 موقعاً، وعاينت أماكن الوقائع، وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات، وعلى أرض الواقع عقدت اللجنة لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودونت عنهم 938 إفادة، منها 452 متعلقة بحوادث قتل و486 متعلقة بالسلب المسلح أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية أو التعذيب.
وأشركت اللجنة في عملها بتدوين الإفادات سبع مساعدات قانونيات مختصات ينتمون إلى الشريحة المتضررة من الطائفة العلوية، إضافة لثلاث سيدات من عائلات الضحايا شاركن اللجنة جلسات الاستماع في الرصافة، واستمعت اللجنة كذلك إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية واستجوبت المشتبه بهم الموقوفين، واتخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء.
كما أجرت اللجنة مشاورات مركزة مع الجهات الدولية المعنية في الأمم المتحدة من خلال اجتماعات رفيعة المستوى مع كل من مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء وفريق اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي إلى سوريا، ومع هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها ومراسلاتها آليات اعتماد أفضل السبل والمعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق.
واتبعت اللجنة الأصول القانونية المبينة في لائحة اختصاصاتها ومعاييرها للحفاظ على مبادئ الاستقلالية والحياد والموضوعية والمهنية والاتساق والشفافية وعدم الإضرار والسرية وتوفير سبل حماية من يطلب من الشهود عدم الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، وبما ينسجم مع إجراءات النزاهة التي ستتبعها الحكومة.
وبالرغم من التحديات الأمنية والمخاطر المحيطة بأماكن عمل اللجنة لوجود فلول النظام فيها استمرت اللجنة في أداء مهامها على أرض الواقع بوصول كاف لمواقع الأحداث وأماكن إقامة الشهود، فاكتسبت درجة معقولة من المصداقية لدى عائلات الضحايا، والأطراف الأممية المعنية.
اللجنة بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه بهم وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.
فحصت اللجنة المعلومات والوثائق والتقارير والإفادات والقرائن والأدلة الحسية والرقمية، وبنت استنتاجاتها على ما توصلت إليه من قناعات كوّنها أعضاؤها خلال فترة 4 شهور محددة بالنطاق الزمني لولايتها تتضمن فترة التمديد الصادر بقرار السيد رئيس الجمهورية.
منذ أن تحررت سوريا من نظام الأسد وحتى بدايات آذار غلبت في مناطق الساحل وعموم البلاد حالة من الهدوء ولوحظ خلالها درجة مقبولة من سلوك عناصر الأمن العام والقوات الحكومية في الانضباط والالتزام بتعليمات وسياسات الدولة في حماية المدنيين، وبمساعيها في حفظ الاستقرار والسلم الأهلي، وبالرغم من عدم وقوع فوضى أو أعمال ثأرية واسعة تعرضت مناطق عدة لانتهاكات مختلفة بحق المدنيين، ولأعمال عدائية تعرضت لها القوات الحكومية.
في 6 آذار الماضي نفذ الفلول سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بعضهم قتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا 6 منها عن الخدمة، وقتلوا عدداً من المدنيين السنّة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها .
من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين ومحاضر استجواب الموقوفين وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون المرتبطين بنظام الأسد والشائع تسميتهم بـ “الفلول” وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة.
خلال ذلك وبعده سيطر الفلول بشكل كامل أو جزئي على المدن والبلدات والقرى والطرقات وأطبقوا الحصار على باقي المقرات الحكومية، بهدف فصل الساحل عن سوريا، وإقامة دولة علوية بتخطيط وتمويل وإعداد وتنفيذ من قبل مجموعات مدربة مترابطة ضمن هيكلية شاقولية وأفقية وفقاً لتحقيقات اللجنة.
تحركت عقب ذلك القوات الحكومية والفصائل وقوات عسكرية أخرى، واندفعت بشكل عشوائي مجاميع الفزعات الشعبية ومجموعات أخرى، فازدحم الطريق الدولي بما يزيد على مئتي ألف مسلح يتحركون باتجاه مناطق سيطرة الفلول لاستعادتها.
فجر يوم الجمعة الواقع في 7 آذار، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدف الفلول بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى على إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين، الأمر الذي تسبب في مزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحد من العشوائية.
في صباح يوم الجمعة بدأت مجموعات مسلحة دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، وتعرض الأهالي لحملات تفتيش متتالية منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر وفيما لاحظت اللجنة ارتياحاً غالباً لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، تحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7 -8 – 9 آذار الماضي.
تحققت اللجنة من أسماء 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.
اللجنة اطلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود الذين استمعت إليهم، كما تبلغت اللجنة بمعلومات حول 20 شخصاً من المفقودين بعضهم مدنيون وبعضهم من عناصر القوات الحكومية.
تتواتر في إفادات الشهود أقوال حول السلوك المتباين للمجموعات وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، ففيما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة اللجنة للاعتقاد بأن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة.
بحثت اللجنة في أسباب تعرض هذه القرى للانتهاكات المروعة التي شهدتها، في مقارنة مع مناطق أخرى يسكنها العلويون السوريون ولم تتعرض لانتهاكات، ولاحظت أن القرى المستهدفة تطل في معظمها على الطريق الدولي، كما لاحظت في بعض شهادات عائلات الضحايا أن الفلول استخدموا هذه المناطق لاستهداف العناصر الحكومية.
ركزت اللجنة في تحقيقاتها على تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم بوسائل متعددة منها سؤال العائلات والاستماع لمئات الشهادات من ذوي الضحايا، وباستجابة وزارة الدفاع إلى طلب اللجنة في التعرف على الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، توصلت إلى معرفة 298 شخصاً بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات وهذا الرقم يبقى أولياً.
من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.
لاحظت اللجنة في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية ومن وزيري الدفاع والداخلية – قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025 – ركزت على حماية المدنيين، وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميزت بها القوات الحكومية، وبأن جهوداً حثيثة بذلتها الدولة للحد من الانتهاكات، وبأن أفراداً متهمين أحيلوا للمساءلة.
كما لاحظت اللجنة أن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكلياً، واتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة – بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل جيش نظام الأسد المتورط بإبادة المدنيين، وأن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش.
تدرك اللجنة أن قرار رئيس الجمهورية بإحداثها لإجراء تحقيقات مستقلة، وتأكيده عزم الدولة على المضي بإجراءات محاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا، يعبر عن استجابة الدولة لمعالجة الانتهاكات، وتفصح اللجنة عن واقع ما لمسته من التزام لدى الجهات الحكومية باستقلاليتها وبتقديم كل المعلومات التي تطلبها لأغراض معرفة الحقيقة.
في مناقشة اللجنة للقانون واجب التطبيق على الأفعال المرتكبة محل ولايتها، لاحظت الحاجة إلى مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في سوريا، وفقاً لمقتضيات الإعلان الدستوري وأحكامه، الأمر الذي يستدعي استكمال إجراءات تشكيل السلطة التشريعية.

كما قال رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل القاضي جمعة العنزي: توصي اللجنة بمتابعة السلطات المختصة الإجراءات اللازمة للكشف عن الأفراد والمجموعات المشتبه بتورطهم بانتهاكات وفقاً لما توصلت إليه في تحقيقاتها.
- توصي اللجنة أيضاً بالتعجيل في تنفيذ خطة وزارة الدفاع وإجراءاتها وتدابيرها في مشاريع ضبط السلاح، ودمج الفصائل بشكل فعلي، مع التنفيذ الصارم للائحة قواعد السلوك الصادرة عنها بتاريخ 30 أيار 2025 وإصدار باقي الأنظمة واللوائح والتعليمات بما في ذلك تنظيم الزي العسكري والشارات ومنع بيعها في الأسواق.
- توصي اللجنة بإطلاق برامج جبر الضرر للضحايا وفق الأصول القانونية، وإيلاء الأولوية لمشاريع حوكمة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، واستقدام المعدات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز السبل والمعايير لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق موظفي الدولة وسلامتهم، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.
- توصي اللجنة بإعادة النظر في قرارات تسريح الموظفين الصادرة في الفترات السابقة، ومراجعة حالات التعيينات المخالفة للقانون بشكل يوازن بين مقتضيات إنهاء المخالفات ومراعاة أثر ذلك على العائلات.
- توصي اللجنة بالمضي بشكل عاجل وفاعل وملموس في تدابير العدالة الانتقالية، وملاحقة المتورطين الفارين من العدالة من قيادات نظام الأسد وعناصره، بوصفهم خطراً على مجتمعاتهم.
- توصي اللجنة بمواءمة القوانين الوطنية والنظام القضائي الموروث من العهد البائد مع الاتفاقيات الدولية المصدّق عليها، عملاً بنص الإعلان الدستوري، والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري.
- توصي اللجنة بإيلاء مشاريع الحوار والسلم الأهلي أولوية في خطط الدولة وبرامجها في الساحل وكل المناطق السورية، واتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وتعليمية لمنع التحريض على العنف أو الفتنة أو إثارة النعرات الطائفية وكفالة رقابة ذلك في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
- لمسنا التزاماً من جهات حكومية بضمان استقلاليتنا وأحلنا إلى النائب العام لائحتين بالمشتبه بضلوعهم في الانتهاكات، ونوصي بملاحقة الفارين من العدالة والمضي في إجراءات العدالة الانتقالية.
- لم تقم اللجنة بتقصّي المواقع وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي قامت بتأجيج الفتنة والطائفيّة في المناطق التي حدثت فيها انتهاكات، كان عملنا وهدفنا منصبّين على التوثيق والتقصّي والتحقيق على الأرض.
- ندعو أي شخص لديه معلومات تفيد بقيام أشخاص بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل أن يقدّمها.